الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: البيان والتحصيل والشرح والتوجيه والتعليل لمسائل المستخرجة
.مسألة أعلاج من العدو خرجوا إلينا بغير عهد ثم ادعوا السكنى: قال محمد بن رشد: قال في هذه المسألة: إنهم يصدقون فيما ادعوا إذا أخذوا في دار الإسلام، ولم يفرق بين قرب ولا بعد، فظاهره مثل ظاهر ما في أول رسم الصلاة بعد هذا، خلاف ظاهر ما مضى في هذا الرسم، من أن أمرهم إلى الإمام، وخلاف ما مضى في رسم الجواب، من سماع عيسى من التفرقة بين القرب والبعد، وقد مضى هناك تحصيل الخلاف في هذه المسألة فلا معنى لإعادته لك، وقوله في الأسير: إنه لا يقتل إلا أن يكون الفارس المعروف بالنجدة والفروسية خلاف ما يأتي في آخر الرسم الذي ذكره بعد هذا، من أنه يقتل بعد الإسار المرأة والغلام إذا قاتلا ولا يتركان لنهي النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عن قتال النساء والصبيان؛ لأنهما قد استوجبا القتل بقتالهما، وقد مضى القول في وجه هذا الاختلاف، وتحصيل مذهب مالك في حكم الأسير، وما الواجب في أمره في أول رسم من سماع أشهب مجودا، فلا معنى لإعادته. .مسألة الرجل يقتل في المعترك ولم يقاتل أيقسم له: قال محمد بن رشد: ظاهر هذه الرواية أنه إذا شهد القتال ثم قتل أو مات، كان له سهمه من كل غنيمة تكون بعد ذلك إلى قفول الجيش، قربت أو بعدت، وقد مضى تحصيل الاختلاف في هذه المسألة في أول رسم، من سماع عيسى، فلا معنى لإعادة ذلك، وبالله التوفيق. .مسألة الأسير من المسلمين يهرب من العدو بأموال أصابها أتخمس: قال محمد بن أحمد: هذا صحيح كما قال؛ لأن ما خرج به الآبق من الرقيق على أن يكونوا عبيدا باستيلافه إياهم، أو كان قد سرقهم وغنمهم، فقد صح أنه ملكهم، فلا يصدق من ادعى منهم الحرية من الأصل إلا ببينة تثبت له دعواه. .مسألة الآبق من عبيد المسلمين يلحق بأرض العدو ثم يأتي فيتعلق به صاحبه: فقال: أما الآبق الذي خرج مع الرسل، فلا سبيل إلى حبسه، وأرى أن يرد ليوفي لهم بعهدهم، وأما كل من صالح من العدو على هدنة أو أداء جزية، فلهم كل ما في أيديهم مما حازوه قبل ذلك من أموال المسلمين، وما أصابوا من أحرار هم أسارى، لا ينبغي للإمام أن يقضيهم شيئا من ذلك، ولا ينزعه منهم إلا أن يفادوا عن طيب أنفس منهم، وسواء ما حازوا بالسبي والغلبة، وما نزع إليهم من إباق عبيدنا، هم أحق بهم للوفاء بالعهد لهم، إذا لم يستثن ذلك عليهم حين صالحوا. قال محمد بن أحمد: مساواته في هذه المسألة بين من صالح من الحربيين على هدنة أو أداء جزية في أنه لا ينتزع منهم ما في أيديهم من أسارى المسلمين الأحرار إلا أن يفادوا عن طيب أنفس منهم بعيد جدا لا يصح، وهي من المسائل التي وقعت على غير تحصيل؛ لأن هذا إنما يصح فيمن صالح منهم على هدنة، لا فيمن صالح منهم على أداء جزية؛ لأن من صالح منهم على هدنة فليسوا بأهل ذمة؛ لأنهم بائنون بدارهم لا تجري أحكامنا عليهم، ومن صالح منهم على أداء الجزية، فهم أهل ذمة تجري أحكامنا عليهم، وأهل الذمة يباع عليهم من أسلم من رقيقهم، ولا يتركون تحت ملكتهم بعد إسلامهم، فكيف بأحرار المسلمين؟ فالصحيح فيهم ما في سماع سحنون أنهم يعطون قيمتهم من بيت مال المسلمين ويخرجون أحرارا، وإنما يستوي منهم من صالح على هدنة، وعلى أداء الجزية في الأموال والرقيق الذين ليسوا بمسلمين، وأما الآبق الذي خرج مع الرسل فلا سبيل لصاحبه إليه، إلا أن يشتريه منهم برضاهم، وسواء على مذهب ابن القاسم كان مسلما أو كافرا؛ لأن الرسل مؤمنون، ومذهبه أن المستأمنين كتجار الحربيين وغيرهم ممن دخل بأمان، لا يباع عليهم العبيد المسلمون، ولا ينزع منهم أسارى المسلمين من الرجال والنساء، ويكون لهم الرجوع بهم إلى بلادهم، خلاف ما ذهب إليه ابن حبيب من أنهم في حكم أهل الذمة يباع عليهم من أسلم من رقيقهم، ويعطون قيمة أسارى المسلمين، ولا يمكنون من الرجوع، وحكى أن ذلك إجماع من قول مالك وأصحابه إلا ابن القاسم، وسنزيد هذه المسألة بيانا في سماع سحنون، إن شاء الله. .مسألة الذميون لو سرقوا أموالا فكتموا ذلك حتى حاربوا وذلك في أيديهم أيؤخذ منهم: قلت: أفترى إذا اطلعنا على السرقات المتقادمة في أيديهم وهم يوم سرقوها أهل ذمة لنا أن يخيرهم الإمام بين أن يردوها طوعا، أو يردوهم إلى حالهم من الحرب ثم يقاتلهم إن أبوا مردها. قال: نعم، أرى ذلك للإمام إلا أن يشترطوها في صلحهم، ولا أرى ما في أيديهم من السرقات التي وصفت بمنزلة ما حازوا في أوان حربهم فهو لهم، ولا خيار للإمام في نقض صلحهم من أجلها، كما يجوز له ذلك في هؤلاء. قال محمد بن رشد: قد اختلف في تجار الحربيين إذا نزلوا بأمان، فسرقوا أموال المسلمين وعبيدهم وأحرارهم، ثم رجعوا إلى بلادهم، فنزلوا ثانية على أمان، وذلك في أيديهم، أيوخذ لهم أو يترك لهم؟ وقع اختلاف قوله في ذلك، في رسم يدير ماله، من سماع عيسى، من كتاب التجارة إلى أرض الحرب، واختلاف قوله داخل في هذه المسألة، إذ لا فرق بين المسألتين في المعنى، وأصح القولين أن يؤخذ ذلك منهم ولا يترك لهم، لاسيما في مسألة أهل الذمة إذا حاربوا، ثم رجعوا إلى غرم الجزية والدخول في الذمة لوجهين؛ أحدهما: أنهم يتهمون على أنهم قصدوا إلى أن يحاربوا، ثم يرجعوا ليكون لهم ما أخذوا، والثاني: مراعاة قول من يقول: إن ذمتهم لا تنتقض، وإن جزيتهم لا تبطل، والله أعلم، وبه التوفيق. .مسألة العلج من العدو يخرج إلى دار الإسلام بلا عهد فيوجد عند أقاربه: وسألته عن العلج من العدو يخرج إلى دار الإسلام بلا عهد فيوجد عند أقاربه، فيقول: أردت أن أكون من أهل الجزية أوديها إلى المسلمين، وأقيم ببلدهم، أو يقول: جئت زائرا لقرابتي. فقال: لا أرى للإمام أن يسترقه ولا يبيعه. قلت: فالذي قدر عليه، وأخذه عند قرابته ما ترى له فيه حقا؟ قال: لا حق له فيه، ولكن إن رأى الإمام أن يقره على غرم الجزية، فذلك له إن قبل العلج، وإن كره غرمها كان على الإمام رده إلى مأمنه، ولا يستحل دمه ولا رقه. قال محمد بن أحمد: لم يفرق في هذه الرواية بين أن يوجد عند أقاربه بالقرب أو بالبعد، فالظاهر منها أن ذلك عنده سواء، خلاف ما مضى في رسم الجواب، من سماع عيسى، وقد مضى هناك تحصيل القول في هذه المسألة، فلا معنى لإعادته. .مسألة العلج من العدو يخرج بأمان إلينا فيستودع الرجل من المسلمين مالا: قال: وإن أسر ثم قتل، فالمال الوديعة أيضا فيء للمسلمين؛ لأن رقبته قد صارت في ملكهم، فما كان بأيدي المسلمين من ماله المستودع فهو كما أصابوا معه من ماله. قال: وإن قتل في المعركة بلا أسر، أو مات في أرضه رد المال المستودع إلى ورثته حيت كانوا؛ لأنه اؤتمن عليه، ثم لم يملك المسلمون رقبة العلج بعد ذلك، فأحق الناس بماله إذا لم يصر رقا للمسلمين من ورث ذلك عنه. قال محمد بن رشد: قوله: إن الأسير إذا بيع في المقاسم أو مات أو قتل بعد الأسر، يكون المال الذي كان له في بلد الإسلام مستودعا للمسلمين، معناه يكون غنيمة للجيش، يخمس وتجري فيه السهام، وكذلك قال ابن حبيب في الواضحة، وحكاه عن ابن الماجشون وأصبغ، وعزاه إلى ابن القاسم، وذلك بين في المعنى، قائم من قوله في الكتاب: فهو كما أصابوا معه من ماله، وحمل فضل قول ابن القاسم على ظاهره من أنه يكون فيئا لجميع المسلمين ولا يخمس، وهو بعيد في المعنى، وإن كان عليه دين فغرماؤه أحق به من الجيش، بخلاف ما غنم معه. .مسألة أسير استودع ماله فقتل في المعركة ولم يؤسر: قال: ولا بأس أن ترمى الحصون بالمجانيق حصون العدو، وإن كان فيهم نساء وصبيان. قلت: أيحرقون عليهم إذا اعتصموا بالغيران والقلاع التي لا تنال إلا بالتحريق، أو يدخن عليهم حتى يغموا، فيستأسروا، وربما مات بعضهم غما؟ فقال: والتدخين عليهم مكروه، ولا يصح أن يقاتلوا به. قلت: فكيف يصلح لنا أن نقاتلهم في السفن برمي النفط؟ قال محمد بن أحمد: قوله: لا بأس أن يرمي الحصون- حصون العدو- بالمجانيق، وإن كان فيهم نساء وصبيان هو دليل ما في المدونة والحجة في إجازته، ما روي: أن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رمى أهل الطائف بالمجانيق، فقالوا: يا رسول الله، إن فيها النساء والصبيان، فقال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «هم من آبائهم»، وكراهيته التدخين عليهم والتحريق، إذا اعتصموا بالغيران والقلاع، معناه إذا كان معهم النساء والصبيان، بدليل عطفه السؤال على مسألة النساء والصبيان، فذلك مثل ما في المدونة سواء، وقوله: فكيف يصلح لنا أن نقاتلهم في السفن برمي النفط؟ معناه إذا كان فيهم النساء والصبيان، بدليل عطفه إياها على مسألة النساء والصبيان، فلم يجبه على الفرق في ذلك بين الحصون والسفن، والفرق بينهما الضرورة إلى ذلك في السفن؛ لأنهم إن لم يرموهم بالنار رموهم به، فأحرقوهم ولا يقدرون على ذلك في الحصون، وفيما يجوز من ذلك كله مما لا يجوز اختلاف كثير في المذهب، تحصيله أن الحصون إذا لم يكن فيها إلا المقاتلة، فأجاز في المدونة أن يرموا بالنار، ومنع من ذلك سحنون، وقد روى ذلك عن مالك، من رواية محمد بن معاوية الحضرمي، ولا خلاف فيما سوى ذلك من تغريقهم بالماء، ورميهم بالمجانيق وما أشبه ذلك، وأما إن كان فيهم مع المقاتلة النساء والصبيان، ففي ذلك أربعة أقوال؛ أحدها: أنه يجوز أن يرموا بالنار، ويغرقوا بالماء، ويرموا بالمجانيق، وهو قول أصبغ فيما حكاه عنه ابن مزين. والثاني: أنه لا يجوز أن يفعل بهم شيء من ذلك كله، وهو قول ابن القاسم، فيما حكاه عنه الفضل. والثالث: أنه يجوز أن يرموا بالمجانيق، ويغرقوا بالماء، ولا يجوز أن يرموا بالنار، وهو قول ابن حبيب في الواضحة. والرابع: أنه يجوز أن يرموا بالمجانيق، ولا يجوز أن يغرقوا ولا يحرقوا، وهو مذهب مالك في المدونة، وأما إذا كان فيه مع المقاتلة أسارى المسلمين، فلا يرموا بالنار ولا يغرقوا بالماء، واختلف في قطعه عنهم، ورميهم بالمجانيق، فقيل: ذلك جائز، وهو قول ابن القاسم وأشهب في سماع سحنون، وقيل: لا يجوز، وهو قول ابن حبيب في الواضحة، وحكاه عن مالك وأصحابه المدنيين والمصريين، وأما السفن فإن لم يكن فيها أسارى المسلمين جاز أن يرموا بالنار للعلة المتقدمة، وإن كان فيها النساء والصبيان قولا واحدا، وإن كان فيها أسارى المسلمين، فقيل: إن ذلك جائز، وهو قول أشهب في سماع سحنون، وقيل: لا يجوز، وهو قول ابن القاسم فيه، والله الموفق. .مسألة المرأة والغلام الذي لم يحتلم من العدو يقاتلان مع العدو ثم يوسران: قال محمد بن أحمد: يريد بقوله: لا يتركان؛ لنهي رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أي لا يترك قتلهما تحرجا، إذ لا تؤمن غائلتهما؛ لأن قتلهما واجب، وإن أمنت غائلتهما، وذلك بين من قوله في أول المسألة إن قتلهما حلال جائز، وهذا خلاف ما مضى في الرسم الذي قبل هذا من أن الأسير لا يقتل إلا أن يكون من أهل النجدة والفروسية، والاختلاف في هذه عائد إلى ما هو محمول عليه، فمرة حمله على أن له غائلة حتى يتحقق أنه لا غائلة له، ومرة حمله على أنه لا غائلة له حتى يتحقق أن له غائلة، وكذلك أيضا إن جهل حال الأسير، هل هو من أهل النجدة والفروسية، أو ليس من أهلها، يجري على هذا الاختلاف، وقد مضى في أول رسم من سماع أشهب تحصيل القول في حكم الأسير على مذهب مالك، فلا معنى لإعادته. .مسألة العدو يرسل رجلا إلى المسلمين للهدنة فإذا هو ممن نزع إليهم من المسلمين: مسألة قال: وسألته عن العدو يرسلون رجلا إلى المسلمين للهدنة، فإذا هو ممن نزع إليهم من المسلمين، وارتد في دارهم، أيستتاب أم يرد إليهم؟ قال: إن كان أمن فليرد إليهم، وليوف له بالعهد، وإن كان جاء بغير أمان، ولا عهد، فيستتاب فإن تاب وإلا قتل، حاله حال المرتد في دار الإسلام. قلت: أرأيت إن كان أبواه مسلمين أصابهما العدو، فولد في دار الشرك فتنصر، وترك دين أبويه وظفر به؟ قال: لا يستتاب ولكن حاله حال السبي والأسر إن أذن الإمام في قتله قتلوه، وإن استحيي فهو فيء للمسلمين الذين أصابوه. قلت: وليس حاله حال الذي يولد في دار الإسلام؟ قال: لا، قلت: فالذي يولد في دار الإسلام، ثم يصاب صغيرا مع أبويه أو دونهما، فتنصر أيستتاب إذا أصيب؟ قال: لا يقتل ولكن يجبر على الإسلام بالضرب والتهديد والغلظة والشدة من الإمام عليه، ويكون حرا لا يسترق ولا يكون فيئا للذين أصابوه، وذلك أنه ولد في دار الإسلام فأصابه العدو أو خرج به أبواه، فهو من أبناء المسلمين الأحرار. قال محمد بن أحمد: اختلف إذا أمن الرجل على أنه حربي، فانكشف على أنه مرتد أو عبد لمسلم أو ذمي، فقيل: له الأمان، ولا يستتاب إن كان مرتدا، ولا يرد إلى سيده إن كان عبدا، وهو قول ابن القاسم، هذا واحد قولي أشهب، وقيل: لا أمان له، وإن اشترط أن لي الأمان وإن كنت مرتدا أو عبدا، وإلى هذا ذهب ابن حبيب في الواضحة، وحكاه عن مطرف وابن الماجشون وابن عبد الحكم وأصبغ وأشهب، وقيل: لا أمان له إلا أن يشترط، روي ذلك عن ابن القاسم، وهو دليل قول الأوزاعي وسحنون، ومن يرى أن المحارب من المسلمين إذا امتنع فأمن على أن ينزل أن له الأمان، وما ذهب إليه ابن حبيب أظهر الأقوال؛ لأنه إن لم يشترط فلا يكون له الأمان، إذ قد انكشف من حاله خلاف ما أمن عليه، وإن اشترط فالشرط إنما هو إبطال حد الله فيه إن كان مرتدا، وإبطال حق صاحبه فيه إن كان عبدا، وذلك مما لا يجوز. وأما قوله: إن كان أبواه مسلمين أصابهما العدو، فولد في أرض الشرك فتنصر، وترك دين أبويه وأخذ بغير عهد؛ أنه لا يستتاب، وحاله حال الأسير إن رأى الإمام أن يقتله قتله، وإن رأى أن يبقيه كان فيئا لمن أصابه، فالوجه فيه أنه حكم له بحكم الدار في الكفر لا بحكم أبويه في الإسلام، فغلب حكم الدار على حكمهما الذي هو أن يكون الولد مثلهما بإسلامهما، وجعل الدار له بمثابة أن لو كان أبواه كافرين في أنهما «يهودانه أو ينصرانه»، كما قال صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في الحديث المشهور المعروف، وهذا على أصله في المدونة فيمن أسلم في بلد الحرب، فغزا المسلمون تلك الدار فأصابوا فيها ماله وولده؛ أنهم فيء؛ لأنه حكم له بحكم الدار في الكفر، ولم يرهم مسلمين بإسلام أبيهم خلاف قول بعض الرواة فيها، ومذهب سحنون: أن ماله تبع له في الإسلام، فعلى قول بعض الرواة فيها ومذهب سحنون يكون حال الولد في هذه المسألة حال المرتد يستتاب، فإن تاب وإلا قتل إذا كان أبواه مسلمين، وإن ولد في دار الكفر، وسواء على ظاهر قول ابن القاسم، هذا بقي أبواه معه في بلد الحرب أو لم يبقيا، خلاف ما حمل عليه أبو إسحاق التونسي قول ابن القاسم وروايته عن مالك في المدونة، من أن معناه: إذا خرج بعد إسلامه، فسبي المال والولد بعد خروجه، إلا أن يفرق بين المسألتين بكون الأبوين مسبيين في هذه المسألة، فإذا لم يفرق بذلك بين المسألتين تحصل فيها ثلاثة أقوال: أحدها: أنه يحكم للولد بحكم الدار. والثاني: أنه يحكم له بحكم الأب. والثالث: الفرق بين أن يكون الأب مقيما مع ولده ببلد الحرب أو لا يكون. ولا إشكال فيما اكتسب الأسير في بلد الحرب، وهو فيه على وجه الملك لا على وجه الحرية، أنه لا تراعى يده عليه. وقوله بعد ذلك في الذي يولد في دار الإسلام: ثم يصاب صغيرا مع أبويه أو دونهما، أنه لا يستتاب، فيقتل إن أبى الإسلام، وأنه يكون حرا لا يسترق استحسان على غير قياس، إذ لم يحكم له بحكم الإسلام بولادته في بلد الإسلام، فيقول: إنه يستتاب فإن تاب، وإلا قتل كما قال: إنه يكون حرا لا يسترق، ولا يحكم له بحكم دار الكفر التي نشأ فيها، فيقول: إنه يسترق، وكما قال: إنه لا يقتل إذا أبى الإسلام، والوجه فيما ذهب إليه أنه رأى ولادته في بلد الإسلام شبهة تمنع من استرقاقه، ونشأته في دار الكفر من صغره على الكفر شبهة توجب ألا يقتل إن أبى الإسلام، وما كان ينبغي أن يختلف إذا أصيب صغيرا لا يعقل ابن سنة ونحوها دون أبويه، فنشأ على الكفر في أنه يكون فيئا، ولا يجبر على الإسلام، وبالله التوفيق. .مسألة العبد يشترى من المقاسم فزعم أن له فداء يرغب في مثله فيرهن سيده ابنه: قال: إن كان الولد كبيرا قد بلغ الحلم، فإنه يسترق ويستخدم إن خاتر أبوه بسيده. قلت له: أيبيعه كما كان يجوز له بيع الأب؟ قال: نعم، إذا تبين خبر الأب، ونقض ما ترك عليه من العهد للرجوع بالفداء. قال: وإن كان الولد صغيرا لم يبلغ الحلم، رأيت أن يطلقه إذا تبين ختر أبيه بالعهد، والترك للوفاء مما يطلق عليه. قلت: فالابنة عندك بمنزلة الابن سواء؟ قال: نعم، إذا بلغت المحيض وعرفت ما يراد بها، فأمرها وأمر الابن واحد. قلت: أرأيت إن مات في أرضه بالطريق أو قتل، فعلم أنه لم يختر سيده، أو حبس عن الرجوع حتى يتبين عذره ما يحل للسيد من الولد المرتهن؟ قال: إذا ثبت براءته، حرم على السيد استرقاق ولد المرتهن، ولزمه إطلاقه، ورده إلى مأمنه. قال محمد بن أحمد: أجاز في المدونة اشتراء أولاد الحرب من آبائهم إذا لم يكن بيننا وبينهم هدنة، وإذا جاز اشتراؤهم منهم جاز ارتهانهم منهم، وبيعهم فيما رهنوهم فيه على ما يأتي في سماع أصبغ عن أشهب، ولم يجز في هذه المسألة لسيد العبد بيع ابنه الذي رهنه إياه إذا خاتر به، وترك الرجوع لفدائه، فالفرق بين المسألتين أن الحربي حاكم على ولده في بلده، فجاز له اشتراؤه منه إذا باعه، وارتهانه منه إذا رهنه، وبيعه فيما رهنه به، والعبد الأسير لا حكم له على ولده الباقي في دار الحرب، فإذا رهنه عند سيده برضاه وهو صغير من غير أن يسترقه أو يأذن له في ذلك مالك أمرهم ووالي بلدهم، ثم لم يرجع لفدائه، لم يجز لسيده أن يبيعه إذا لم يرض بذلك، ولا علم قدر ما أدخل فيه نفسه لصغره بخلاف الكبير، وقد ذهب كثير من أهل النظر إلى أن هذه المسألة معارضة لما في المدونة، ولما في سماع أصبغ عن أشهب، والصحيح ألا تعارض في ذلك على ما بيناه من حكم الفرق في ذلك. .مسألة رجل يأسره العدو يسبون معه امرأته وأمته أيجوز له وطء الأمة والمرأة: قيل له: أفترى وطء الأمة والمرأة في ذلك سواء؟ فقال: كأني أرى الذي سباهم من العدو قد ملك الأمة ملكا، لو أسلم لم تنتزع منه، والحرة ليست كذلك، فلو ترك الأمة لكان أحب إلي. قال محمد بن أحمد: أما الحرة فالأمر في وطئها على ما قال باتفاق، وأما الأمة فيتخرج جواز وطئها إذا أيقن بالبراءة على مذهب من قال: إن أهل الحرب لا يملكون على المسلم ماله، وأنه أحق به إذا غنم منهم قبل القسم وبعده بغير ثمن، وتحريمه إن أيقن بالبراءة على مذهب من يرى أنهم يملكون عليه ماله، فيكون إن غنم منهم غنيمة للجيش لا سبيل لصاحبه إليه، وإن أدركه قبل القسم، وكراهيته على مذهب مالك في أنه أحق بماله إن أدركه قبل القسم بغير ثمن، وأنه إذا لم يعلم صاحبه بعينه، وإن علم أنه للمسلمين.
|